يشهد الإقتصاد السعودي تأهباً غير مسبوق، حيث حشدت المملكة كافة مواردها في سبيل تحقيق رؤية 2030، التي أُعلن عنها في عام 2016 والتي تهدف إلى إجراء إصلاحاً اقتصاديا شاملا عبر تنويع مصادر الدخل القومي دون الاعتماد الكلي على النفط كمصدر رئيسي للاقتصاد.

تَعد المبادرة بتوفير العديد من الفرص في مختلف القطاعات، وعلى وجه الخصوص قطاع التشييد والبناء، فقد رصدت ما يتجاوز ١ تريليون دولار للاستثمار به.

وقد احتلت المملكة الصدارة لعدة سنوات بين دول مجلس التعاون الخليجي في قطاع التشييد والبناء، وفي سبيل المزيد من ازدهار هذه الصناعة فقد أتاحت فرص نمو ضخمة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة. ولكن لطالما تزامنت فرص النمو مع التحديات والمخاطر التي تتطلب فهمها والتعاطي معها.

 قامت المملكة بتخصيص ما يتجاوز ٨٢٥ مليار دولار في سبيل تنفيذ المشروعات المخططة وغير الممنوحة، وذلك قبيل جائحة كورونا التي ألحقت أضرار جسيمة بالقطاع الذي شهد ارتفاعاً في تكاليف العقود الممنوحة من ١١.٢ مليار دولار عام ٢٠١٦، ليصل إلى ١٤.٦ عام ٢٠١٨. إضافة إلى حدوث تراجع شديد في الإنتاجية مع تصاعد التكاليف والتأخير الناجم عن الحظر وما ترتب عليه من عواقب وخيمة أصابت الاقتصاد العالمي.

 وفقا لتقرير صدر مؤخراً عن برنامج التحول الرقمي ألقى الضوء على أهمية المنشآت الصغيرة والمتوسطة،  فقد أشار إلى امتلاكها مايقارب ٩٩.٥٪ من إجمالي المنشآت بالمملكة، الأمر الذي يعكس مدى تأثيرها الإيجابي على تغيير سياسات إدارة هذا القطاع.

وأشارت تقديرات الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة، إلى ارتفاع عدد المنشآت إلى ٨٩٢٠٠٠ منشأة، بمعدل زيادة بلغت نسبته ٢٥.٦٪ وذلك مقارنة بالربع الأخير من عام ٢٠٢١.

مع تفاقم الأوضاع الناجمة عن الحظر الذي فرضته الجائحة، فقد تلقى أصحاب المنشآت الصغيرة والمتوسطة بقطاع التشييد والبناء ضربة موجعة آلت إلى انسحاب ما يزيد عن ٨٠٠٠ منشأة من السوق، خاصة الصغيرة منها، وذلك وفقاً لأعلى هيئة مقاولات في المملكة الخليجية.

 وقد رصدنا خمسة دوافع أجمع عليها معظم أصحاب المنشآت الصغيرة والمتوسطة، تسببت في الإنسحاب من الصناعة،  نستعرضها فيما يلي:

  • تأخير سداد المستحقات

يعد تأخير سداد المستحقات قضية شائكة تتفاقم في ظل التقلبات الاقتصادية، حيث أصبح حيازة النقد على رأس أولويات العديد من الأعمال، وكلما اقتربت من نهاية سلسلة القيمة كلما طال انتظارك لتحصيل مستحقاتك.

وفي إطار حرص أصحاب المنشآت على ضمان ثبات التدفق النقدي، فقد اضطر بعضهم إلى توقيع المزيد من العقود بما يتجاوز إمكانياتهم الفعلية وذلك لتلبية احتياجات منشآتهم، الأمر الذي أدى في النهاية إلى الاستعانة بأطراف ثالثة للحفاظ على  سير الأعمال.

خلاصة القول يؤدي تأخير السداد إلى زعزعة الإستقرار المالي للمنشآت الصغيرة والمتوسطة، حيث يضطر أصحابها إلى تغطية النفقات من جيوبهم الخاصة لضمان إنجاز المهام التي أخذوا على عاتقهم مهمة تنفيذها.

وقد أشارت التقديرات إلى أن ثلاثة أشهر فقط من الحظر كبدت المقاولين في المنطقة عائدات بلغت قيمتها ٣٠ مليار دولار، الأمر الذي ترك أثراً بالغاً على المملكة حيث تساهم بما يزيد عن ٥٤٪ من إجمالي مشاريع الإنشاءات في المنطقة.

  • نقص الأيدي العاملة

لطالما عانى قطاع التشييد والبناء بالمملكة من نقص حاد بالأيدي العاملة حيث تعتمد الصناعة بالكامل على العمالة الوافدة، وهي مشكلة اعتيادية في قطاع مزدهر يحتاج إلى عمالة ضخمة. 

ويعد إيجاد وتوظيف أيدي عاملة ماهرة أحد أكبر التحديات التي يواجهها المقاولون، وينشأ عنها خللاً كبيراً، حيث تتسبب في إبطاء سير المشاريع، مما يجعل الالتزام بمواعيد تسليمها شبه مستحيل، ويؤدي إلى تكبد غرامات مالية.

  • التطور التكنولوجي

  يمثل التطور التكنولوجي دوراً محورياً في صناعة البناء، حيث أسهم في توفير بيئة عمل أكثر فعالية وأمناً لعمال البناء، وكذلك دفع عجلة الصناعة نحو النمو والازدهار.

أولا: لمواكبة هذا التطور ستحتاج المنشآت الصغيرة والمتوسطة كثيراً من الدعم ، خاصة بعد أن أظهرت الدراسات أن ٦٪ فقط من مقاولي البناء بالمملكة يعتمدون على التعلم الآلى وذلك نظراً لنقص مصادر التمويل، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة صعوبات وأيضاً مخاطر العمل.

ثانيا: بعض المنشآت الصغيرة والمتوسطة لا تملك رفاهية الإعتماد على تلك التقنيات التي استحوذت على عالم التشييد والبناء، حيث تتطلب تلك المبادرات تمويل ضخم. ومع ذلك تشجع المملكة رواد الأعمال على الإنضمام المجاني إلى دورات تنمية المهارات لإعتماد التحول الرقمي بالقطاع.

  • ارتفاع تكاليف مواد البناء

شهد العالم في السنوات الأخيرة ارتفاعاً حاداً في أسعار مواد البناء، الأمر الذي شكل عقبة في طريق رواد الأعمال، تاركاً أثراً بالغاً في قدرتهم على إتمام مشاريعهم في موعدها المقرر.

حقيقة أن ارتفاع الأسعار أمر خارج عن الإرادة، لكن بإمكان المقاولين تبني حلول للتحكم في إدارة الموارد والخامات بحكمة والحد من إهدارها وذلك بوضع ضوابط للمراقبة والحفاظ على المخزون.

  • عدم التدريب على الأمن والصحة المهنية

تركز صناعة التشييد والبناء بشكل أساسي على براعة التصميم ومواكبة التطور والدقة في التسليم، بينما تتغافل عن مدى أهمية التدريب المناسب على أساسيات السلامة في القطاع، حيث يعد نقص التدريب على السلامة مشكلة أزلية. 

نظراً للنقص الحاد في الخبرات اللازمة، تحتاج المنشآت الصغيرة والمتوسطة إلى الدعم لضمان توفير معايير سلامة العمال المهنية، وعليه فقد أصبح تزويدهم بمعرفة متعمقة بالصناعة من خلال الخبرة العملية ضرورة حتمية  أكثر من أي وقت مضى.

ولكن للأسف فقد لوحظ أن المنشآت الصغيرة تجتزئ هذه  الخطوة على سبيل التوفير بهدف الحصول على أكبر قدر من الأرباح، الأمر الذي يعرض عمالهم إلى خطر مستمر.

بإلقاء الضوء على مواطن العقبات، نستخلص أنه يتعين على الشركات الصغيرة والمتوسطة تبني وسائل وطرق أكثر كفاءة وفعالية للحفاظ على مكانتها بسوق العمل. 

وبرغم التحديات يمكن القول أنه قد حان الوقت لتصبح جزءاً من صناعة التشييد والبناء بالمملكة، إذا كنت تطمح إلى تنمية عملك في السنوات القادمة.

user

user

[sc name="newsletter_form"][/sc]