تعد المنشآت الصغيرة والمتوسطة شريان حياة اقتصاد المملكة القومي، إذ بلغ عددها وفقًا لتقرير مرصد “منشآت” الصادر في الربع الثالث من العام المنصرم 978.445 ألف منشأة، إحتل قطاع البناء والتشييد نسبة 20.7٪ منها. 

بالنظر إلى تأثير هذه المنشآت على صناعة البناء، سنجد أنها ليست جزءًا من سلسلة التوريد فحسب، بل إنها تمتلك ميزة تنافسية لقدرتها الهائلة على تقديم خدمات متخصصة بكفاءة وجودة عالية لمؤسسات المقاولات الكبرى، على اختلاف أحجام و أنواع مشاريعها وبجميع مراحل التشييد.

وفي إطار التزام حكومة المملكة بتنويع مصادر اقتصادها، والارتقاء بجودة معيشة مواطنيها، وحرصًا على تطوير قدرات الموهوبين من أبنائها بما يتفق مع تحقيق أهداف رؤية 2030، فقد اتجهت في السنوات الأخيرة إلى الانفتاح على قطاع السياحة والضيافة والترفيه، حيث بدأت تحركاتها  في مطلع عام 2018، عندما أطلق صندوق الاستثمارات العامة شركة مشاريع الترفيه السعودية “سڤن” التي استهدف من خلالها: 

  • إنشاء إقتصاد ترفيهي مستدام. 
  • دعم توطين الخبرات والكوادر الوطنية.
  • تطوير البنية التحتية لقطاع الترفيه بما يتفق والمعايير العالمية.
  • جذب الاستثمارات المحلية والدولية.
  • استهداف السياح من داخل وخارج المملكة. 
  • زيادة نسبة إشغال الفنادق وتنشيط حركة الطيران.
  • توفير فرص عمل ضخمة للأفراد والمنشآت الصغيرة والمتوسطة على اختلاف نشاط عملها.

وقد أعلنت سڤن عن محفظة مشاريع ضخمة لتطوير وجهات ترفيهية مبتكرة تغطي كافة أرجاء المملكة، بحجم استثمارات يبلغ رأس مالها 50 مليار ريال سعودي.  

وقّعت الشركة في مطلع العام الجاري عقدًا بقيمة 1 مليار ريال سعودي مع شركة البواني المحدودة لتطوير الأعمال الإنشائية للوجهة الترفيهية في تبوك، بينما تم ترسية مشروع ترفيهي متكامل بحي الحمراء بالرياض على شركة شابورجي بالونجي بعقد بلغت قيمته 1.39 مليار ريال.  

على الرغم من أن منح عقود التشييد لأكبر شركات المقاولات هو أمر منطقي، لما لها من تاريخ عريق في الصناعة، إلا أنه شكل ضغطًا على قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة الذي أصبح يرى السوق أكثر تحديًا وتعقيدًا. ومن هنا تتجلى أهمية وضع إستراتيجية لمشاركة القطاع في عملية التنمية الوطنية.

كيف يمكن للمنشآت الصغيرة والمتوسطة الحصول على عقود إنشاءات في المشروعات الكبرى؟

 بداية، ينبغي على أصحاب المنشآت الصغيرة والمتوسطة استيفاء معايير أساسية نتناولها في النقاط التالية : 

  • الحصول من الجهات المعنية على شهادة تأهيل مسبق (PQ) للعمل في قطاع الأعمال العامة والمشروعات التنموية الوطنية. 
  • الإلمام التام باستراتيجية العمل بالمشاريع الكبرى ودراسة السوق، حيث تركز مؤسسات المقاولات في اختيارها على الكفاءة المهنية، القدرة على التحكم في التكاليف، و الاستجابة المرنة لمتغيرات السوق المستمرة.
  •  تحديث المهارات الإدارية والفنية لكادر عمل المنشأة، وكفاءة تقييم سلسلة التوريد الخاصة بمؤسسة المقاولات المستهدف العمل معها، والمشاريع التي ستنفذها، وذلك للتمكن من تقديم خطة مستدامة و مستنيرة.
  • الالتزام المطلق بمعايير جودة المشاريع الكبرى وفقًا للقيود المالية والزمنية المحددة مسبقا، مع الأخذ في الاعتبار كون هذا الأمر متعبًا في البداية ولكن سرعان ما سيدعم رفع مستوى المنشآت وتقديم عمل عالي الجودة.

يأتي بعد ذلك دور صاحب المنشأة وكيف يتسنى له التقدم لمؤسسة المقاولات لعرض خدماته :

مبدئيًا يتم ذلك إما عن طريق الحضور الشخصي وهو الأكثر إنتشارا وأهمية، أو عن طريق التواصل عبر البريد الإلكتروني. 

  • يتعين على المقاول الصغير إمتلاك محفظة مشاريع مميزة وناجحة تثبت خبراته في المجال وتمكنه من كسب ثقة المؤسسة التي يطمح للعمل تحت مظلتها.
  • التعريف بمجال تخصص المنشأة، من خلال تصنيف وعرض الأعمال والخدمات التي تقدمها بعناية ودقة.
  • تقديم مقترحات قيمة ومبتكرة، وكذلك أفضل عرض للخدمات (إدارية – فنية – عمالة) بما يلبي احتياجات المشروع، فضلا عن السعي للحصول على قائمة المناقصات الخاصة بالمشاريع.   

على الرغم من بساطة هذه الاستراتيجية، إلا أن من شأنها وضع مقاولي المنشآت الصغيرة والمتوسطة من ضمن المميزين في مجالهم، وتوصلهم نحو النمو والنجاح في صناعة ذات مستقبل مزدهر.

دور القطاع الحكومي في دعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة بقطاع البناء:

يساهم القطاع الحكومي باستمرار وبصورة فعالة عن طريق إطلاق العديد من المبادرات وبإمكانه كذلك :

  • تقديم الدعم التقني لتطوير وتعزيز قدرات المنشآت الفنية والإدارية.
  • طرح مناقصات لمشاريع صغرى تشكل جزء من مشاريع التنمية الوطنية الكبرى، والتي من شأنها رفع القدرة التنافسية بين المنشآت.
  • منح دبلومات كفاءات وطنية، مما يسهل على الشركات الكبرى إستهداف المنشآت المؤهلة مهنيًا للاستفادة من خدماتها في مشروعات التنمية الوطنية.

مميزات مشاركة المنشآت الصغيرة والمتوسطة في قطاع مشروعات الترفيه الكبرى:

  • دعم التوظيف المحلي الذي يعزز بدوره مبادرة توطين القطاع، بقيادة كوادر وطنية مؤهلة.
  • ضمان الوصول  إلى فرق العمالة الماهرة التي تعمل لدى المنشآت وتقديم خدمات بتكلفة مناسبة.
  • صقل مهارات العاملين بالمنشآت حيث تتيح بعض مؤسسات المقاولات الضخمة دورات تدريبية تنقل من خلالها خبراتها وكفاءاتها المكتسبة على مدار عقود من الزمان.
  • ضمان تدفق الإيرادات التي تنعكس بدورها على دفع عجلة النمو ورفع مستوى المنشآت.
  • تعمل شركات المقاولات الكبرى بالتركيز على تسليم المشاريع في الوقت المحدد، وفي حدود الميزانية المعلنة وطبقًا للمواصفات والمعايير المحددة، لذلك من الأسهل إسنادها إلى إدارة وتنفيذ بعض الأجزاء من مشاريعها إلى مقاولين فرعيين، ذوي كفاءات عالية، قادرين على إنجاز مشاريع معقدة وعالية التكلفة دون تقصير أو ترك مجال للخطأ.

تحديات و صعوبات قد تواجهها المنشآت الصغيرة والمتوسطة مع مؤسسات المقاولات الكبرى:

على الرغم من أهمية تعاون المنشآت الصغيرة والمتوسطة مع كبرى شركات المقاولات إلا أن شأنها كشأن سائر الأعمال في أي قطاع قد تواجه صعوبات تتمثل في:

  • عرقلة نمو المنشآت في حالة التعرض لأزمة تأخير سداد مستحقاتها من قبل المؤسسات، مما قد يلحق أضرارًا جسيمة باستقرارها المالي، لحاجتها إلى تدفق نقدي سليم.
  • التعرض لضغط خفض التكاليف الناجم عن حتمية الامتثال لإجراءات المشتريات والتي تتفاوت شروطها من مؤسسة لأخرى.
  • يميل بعض المقاولين الصغار إلى الحصول على مزيد من عقود المشاريع لزيادة الإيرادات، دون وضع عبء العمل في الاعتبار، مما يحدث خللاً في أنشطة المشاريع المختلفة في حال لم تتم إدارتها بشكل فعال، فيؤدي الأمر في النهاية إلى التأثير على جودة العمل (إدارة المخاطر، تتبع خطط الطوارئ، إدارة الموارد…إلخ) وعدم الالتزام بمواعيد التسليم النهائية، وهو أمر ينبغي تجنبه منذ البداية، فالتخطيط الجيد هو مفتاح النجاح.

مما سبق يتضح أنه ليس بالأمر المستحيل دمج المنشآت الصغيرة والمتوسطة للعمل جنبًا إلى جنب برعاية وتحت إشراف الشركات الكبرى المتعهدة بإنجاز مشاريع الترفيه بالمملكة، وهي صناعة تخطو بخطى سريعة وواثقة لتعتلي قائمة القطاعات الوطنية الرئيسية للإيرادات غير النفطية وتعزز مكانة المملكة كمركز إقليمي ترفيهي على مستوى عالمي في المنطقة العربية… جاورتك البهجة.

user

user

[sc name="newsletter_form"][/sc]