تسعى رؤية المملكة 2030 إلى تحويل البلاد إلى واحة تنمية مستدامة، حيث تبنت حكومتها الرشيدة حزمة من السياسات الهادفة والقرارات الحكيمة في هذا الصدد.

يتجلى هذا التحول بوضوح في قطاع البناء الذي يعد ركيزة حيوية لاقتصاد المملكة، التي سلكت منعطفًا جديدًا نحو تقنيات البناء المستدام، والممارسات الأكثر حفاظًا على البيئة، ومن المتوقع أن تكتسب زخمًا قويًا مع مرور الوقت.

ما هو البناء المستدام؟

يعرف أيضًا بالبناء الأخضر أو البناء عالي الأداء، ويعني باستخدام المواد المتجددة والقابلة لإعادة التدوير، وتقليل استهلاك الطاقة والحد من النفايات الناتجة عن البناء.

على سبيل المثال: يعتمد البناء المستدام على فتحات سقف موفرة للطاقة، أسطح خضراء، ألواح شمسية، وأنظمة عزل مناسبة للحفاظ على درجات حرارة ثابتة ومنع تكون وتكثف الرطوبة.

ويجمع بين مفاهيم الهندسة المعمارية والتصميم، وبين القيم المتعلقة بالحفاظ على البيئة والموفرة للخامات، ولا يتعلق هذا الأمر بمواد البناء فحسب بل أيضا بالتأثير طويل المدى على البيئة وصحة الإنسان.

وفقًا لتقرير صدر عام ٢٠٢١ عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة والوكالة الدولية للطاقة، تبين أن ٤٠٪ من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، و ٣٦٪ من استهلاك الطاقة حول العالم تأتي من قطاع البناء والتشييد.

وتوضح مثل هذه النتائج المقلقة مدى أهمية تبني سياسات البناء المستدام التي من شأنها الحد بصورة ملحوظة من تداعيات البصمة الكربونية التي تصدرها الصناعة، وما لها من تأثير بيئي عام. 


الفوائد البيئية

  • يركز البناء المستدام على عناصر التصميم الداخلى التي تتمثل في تحسين جودة الإضاءة والهواء والتحكم في درجات الحرارة.
  •  الحفاظ على الموارد الطبيعية وإعادة تدويرها، عبر استخدام المواد وإعادتها إلى دورة الإنتاج بما يترتب عليه تقليل التكاليف وكذلك النفايات.
  • حماية التنوع البيولوجي والنظم البيئية، بالاعتماد على الأنظمة الموفرة للطاقة وتقليل استخدام الموارد غير المتجددة.

الآثار الإقتصادية

  • تقليل تكاليف التشغيل، حيث تستهلك المباني الخضراء موارد أقل من المياه والطاقة، وكذلك تقليل النفايات الناتجة عن عمليات البناء مما ينعكس بدوره على توفير نفقات التخلص منها.
  •  تعزيز قيمة الأصول والأرباح، فكون المباني المستدامة سوق ناشئة، من المتوقع أن يزداد الإقبال عليها لما تقدمه من نمط حياة صحي.
  • تحسين الأداء الاقتصادي، حيث يتم توفير النفقات عبر تقليل متطلبات الصيانة والاستبدال و فواتير المرافق، وذلك مقارنة بالمباني التقليدية.
  • سرعة إنجاز المشاريع، ويتم ذلك عبر اعتماد تقنية البناء المعياري، التي تسمح بالتسليم المبكر للمشروع وتقلل تباعًا من تكاليف التشغيل.

الآثار الإجتماعية:

  • تعزيز صحة وراحة المواطنين، حيث تساهم المباني المشيدة بمركبات عضوية في التخلص من المركبات الضارة المتطايرة وكذلك المنتجات البلاستيكية. 
  • تستخدم المباني المستدامة موارد أقل، مما يخفف من الضغط على البنية التحتية المحلية، و يترتب عليه تقليل الضغط على وكالات الطاقة والمياه والنفايات.
  • تضمن قوة ومتانة المباني الخضراء قدرة تحمل أطول للهياكل وقيمة تزداد مع مرور الوقت.

مواد البناء المستدام

١. الطوب الطفلي أو الطيني يتم تصنيعه من تربة الموقع ويخلط بالماء والأسمنت والقش، يتميز بالاستدامة وإعادة التدوير و لا يحتوي على مواد سامة، كما أنه يعمل كعازل صوت طبيعي، ويمتاز بمقاومته للنيران.

٢. الأخشاب هي المادة الأقل تأثيرًا على البيئة، حيث تمنع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وتتميز بالقوة والمتانة.

٣. الخرسانة من أفضل مواد البناء للحصول على الكتلة الحرارية في المباني، حيث تساعد على إبقاء المنزل دافئ شتاءً، معتدل صيفًا.

تتميز كذلك بقدرتها على البقاء لأطول مدة ممكنة، ويمكن تشكيلها بتصميمات وأشكال معقدة، كما أن لها خاصية مقاومة الحرائق.

ومن أنواع الخرسانة المناسبة للبناء المستدام نذكر:

  •  الخرسانة الخضراء يعتمد تصنيعها على إعادة تدوير نفايات المصانع والمناجم ونفايات الزجاج ونشارة الخشب، وتسمح بإعادة استخدام مياه الصرف الصحي، مما يجعلها خيارًا اقتصاديًا صديقًا للبيئة.
  • الخرسانة الخشبية هي خليط من نشارة الخشب والخرسانة، وعلى الرغم من قلة وزنها إلا أنها أعلى كفاءة في العزل.

٤. الحوائط  مسبقة الصنع  هي حوائط ضخمة، يتم تصنيعها خارج موقع البناء، باستخدام ألياف زجاجية مدعومة بالجبس المقاوم للماء.

  • يتم تصميمها بتجاويف داخلية تسمح بتركيب الوصلات الكهربائية والصحية، ثم تعبأ بالخرسانة أو مواد العزل الحراري.
  • تتمتع بقدرتها على مقاومة النار ولكن لفترة محدودة.   

٥. الألواح الشمسية تعد من أكثر مصادر الطاقة المتجدد انتشارًا، يتم تركيبها على الأسطح وواجهات المباني لتوليد طاقة نظيفة، وتستخدم خلال مراحل البناء وبعد إتمامه.

تحديات استخدام مواد البناء المستدامة:

  • الخرسانة يخلق تصنيعها تكاليف إضافية.
  • المباني التي تعتمد في بنائها على الخرسانة الخشبية دورة حياتها أقصر من نظيراتها المدعومة بخرسانة تقليدية.
  • الطوب الطفلي أو الطيني يتعرض بفعل العوامل الجوية من أمطار ورياح إلى التآكل والتلف، إضافة إلى ثقل وزنه وعدم قدرته على العزل الحراري، لحل هذه المشكلة يكفي فقط إضافة مواد عازلة للحوائط المشيدة به.

تقنيات البناء الرقمية المعتمدة في البناء المستدام

١. تقنية نمذجة معلومات البناء BIM

تستخدم تقنية نمذجة معلومات البناء BIM في جميع مراحل البناء المستدام، وتتمثل فوائدها فيما يلي:

  • توفر تقنية BIM محاكاة كاملة لدورة حياة المشروع، تبدأ من مرحلة التصميم وتنتهي بالتشغيل الفعلي، بما يساعد على تحديد وتجنب وقوع أية حوادث في المستقبل، كما أنها تزود مهندسي المشروع وموردي المواد برؤية دقيقة قبل إبرام العقود، وتدعم تخطيط المشروع بصورة مثالية.  
  • تعتمد تقنية BIM  خاصية القياس الكمي، مما يساعد على تقليل التأثير البيئي للمبنى خلال دورة حياته.

٢. الطباعة ثلاثية الأبعاد

تستهدف المملكة حاليًا تلك التقنية، لما لها من إمكانيات هائلة في تحويل الملفات الرقمية إلى واقع ملموس ينبض بالحياة، ولفوائدها التي تتمثل في: 

ـ إمكانية تصور تصاميم وتفاصيل مشاريع بأكملها في غضون ساعات، وإدخال التعديلات اللازمة عليها.

ـ تعد بديلاً في مرحلة التصميم النهائية، تساعد على الحد من المخاطر وتسريع عملية الإنجاز، ويمكن الاعتماد عليها في بناء منزل في غضون أيام.

ـ كما أنها مناسبة للعمل خارج الموقع، وتقلل من التكاليف ونفايات المواد، حيث تستخدم منها كميات دقيقة بحسب الحاجة.

مبادرات المملكة لدعم البناء المستدام

أطلقت وزارة الإسكان منصة مستدام الوطنية، التي تعمل على تدقيق وفحص أعمال المباني الخضراء، وتقييم مطابقتها لجودة البناء ومعايير الاستدامة.

وتسهم خدمة فحص البناء التي تقدمها المنصة في:

  • زيادة موثوقية المنتج العقاري.
  • توثيق عمل الفاحص ونتائج الفحص عبر الأرشفة الإلكترونية.
  • تمكين المستفيدين المقبلين على البناء سواء كانوا مطورين عقاريين أو أفراد، من التحقق من جودة وسلامة عمليات البناء عبر آلية الفحص من قبل مهندسين مختصين .

يمكن أيضا الوصول إلى خدمة تسجيل العقار إلكترونيًا عبر الدخول إلى المنصة من هنا.

إنجازات المملكة في برنامج البناء المستدام

حاز عدد من المباني المشيدة بالمملكة على شهادة الريادة في التكنولوجيا والطاقة والتصميم LEED، وهي شهادة عالمية مرموقة تصدر في تصنيف المباني الخضراء الأكثر شهرة وفائدة في العالم. 

فيما يلي مشروعات المملكة الحائزة على الشهادة:

جامعة الملك عبدالله للعلوم والتكنولوجيا (كاوست) بشمال جدة أول مشروع في المملكة يحصل على شهادة الريادة البلاتينية في الطاقة والتصميم البيئي.

مركز الملك عبدالله المالي بالرياض الحائز على شهادة الريادة البلاتينية في الطاقة والتصميم البيئي.

جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن بالرياض حاز كلاً من مبنى النادي الرياضي ومبنى المكتبة المركزية على الشهادة الذهبية في الطاقة والتصميم البيئي.

حديقة الملك سلمان للطاقة هي أول مدينة صناعية في العالم تحصل على شهادة الريادة الفضية، وأول مشروع في المملكة يعتمد استخدام الخرسانة الخضراء.

مشروع البحر الأحمر الذي استوفى بالفعل معايير المرحلة الأولى للحصول على شهادة LEED في الطاقة والتصميم البيئي من الفئة البلاتينية، وهو أحد أكثر مشاريع السياحة المتجددة طموحًا في العالم.

International Trade & Business graduate

عبدالبديع ترجمان
محلل أعمال مهتم بالشركات الناشئة التي تقود التحول الرقمي في المملكة العربية السعودية ومنطقة الشرق الأوسط.

not found
[sc name="newsletter_form"][/sc]