تُعد صحة صناعة البناء دليلاً على ازدهار الاقتصاد القومي للبلاد بوجه عام، وللمملكة بشكلٍ خاص إذ تحتل المركز الثاني كأكبر قطاع غير نفطي من حيث الإيرادات وتتربع على العرش من حيث حجم العمالة فتحتل المركز الأول. ويملك القطاع الكثير من الإمكانيات الهائلة لتحقيق المزيد من الازدهار، غير أن قضية نقص الأيدي العاملة الماهرة التي تشكل جوهر صناعة البناء تعرقل تحقيق التقدم المنشود. 

تجّلت بوادر هذه المشكلة مع اتخاذ المملكة مؤخرًا إتجاه نحو خطة الإسكان ميسور التكلفة، فمع ارتفاع أسعار المنازل وانخفاض متوسط دخل الأسرة جعل من الصعب على المواطن السعودي تملك منزل خاص، مما دفع حكومة المملكة إلى ترسيخ هدف أساسي في رؤية المملكة٢٠٣٠ ينص على امتلاك السعوديين ٧٠٪ من المنازل بحلول عام ٢٠٣٠.

ما هي التحديات التي تعيق بناء قوى عاملة بكفاءات عالية؟

يبرر معظم الباحثين والخبراء تحدي توظيف كفاءات في القطاع إلى: 

  • الانطباع السيء عن الصناعة يرى الكثير من المرشحين الشباب أن صناعة البناء تبدو أقل جاذبية من الصناعات الأخرى. يرجع ذلك لعدم إلمامهم الجيد بالخيارات الوظيفية المتاحة، والاعتقاد السائد بأن العمل بالقطاع يقتصر على العمالة منخفضة المهارة ويتبنى أساليب البناء التقليدية.
  • فجوة المهارات حيث ينعدم التوافق بين المهارات المتاحة والمهارات المطلوبة. على سبيل المثال: نلاحظ تزايد الطلب مؤخرًا على إدراج إستخدام تقنيات البناء الحديثة، بينما هناك نقص حاد في المهارات الرقمية المعقدة كتحليل البيانات والذكاء الاصطناعي والرقمنة. 
  • استعجال توطين القطاع على الرغم من أن مبادرة التوطين تصب في مصلحة المملكة بشكل عام، إلا أن التوطين العاجل لقطاع التشييد والبناء سيخلق نقصًا غير مسبوق في العمالة، حيث تشكل العمالة الوافدة نسبة لا يستهان بها في القطاع على اختلاف مجالاته.
  • سباق مع الوقت  تبني معيار مهني جديد لتحقيق الاحتياجات الانتقالية للقطاع عبر تطوير قدرات العاملين به على المهن المتغيرة والمستحدثة سيستغرق وقتًا طويلاً ولن تتسّم العملية بالمرونة.
  • سياسة مقاس واحد يناسب الجميع لا يتوافق هذا المبدأ وصناعة البناء التي تتشعب إلى عدة قطاعات من بناء منازل، بنية تحتية، خدمات بناء(توصيلات كهربائية – أنظمة إدارة مباني -تدفئة – تكييف – سباكة…..إلخ) يتطلب كل قطاع منها مهارات مختلفة، مما يعظم الحاجة إلى تأهيل وتدريب مهني يدعم احتياجات كل قطاع على حدة.
  • الافتقار إلى مناهج تدريبية معتمدة تتناول أساليب البناء الحديثة، وتحدد الكفاءات المطلوبة للنهوض بالقطاع في ظل الثورة التكنولوجية الحالية.

 كيف يمكن التعامل مع هذا التحدي؟ 

للتطرق إلى سبل التعامل مع هذا التحدي لابد أولاً من تصنيف العمالة إلى فئتين: عمالة قائمة ماهرة على دراية وخبرة واسعة بالعمل بالقطاع لكنها بحاجة إلى تطوير وإعادة تأهيل وتدريب على أساليب البناء الحديثة، وعمالة مستهدفة ناشئة مازالت في طور التعرف على القطاع بحاجة إلى تأهيل وتدريب وتعريف بكل ما يتعلق به من الألف إلى الياء.

العمالة الناشئة والمستهدفة:

  •  لابد من تحسين صورة الصناعة والتعريف بالمعايير المهنية الحالية، والتوضيح بشأن الوظائف المستحدثة، والترويج لاستراتيجية رقمنة القطاع، الأمر الذي سيجذب قوى عاملة مستدامة من الشباب العازفين عن العمل به.
  • تقديم المشورة المهنية في المدارس والجامعات، وبذل المزيد لزيادة الوعي بإيجابيات العمل في صناعة البناء، وترسيخ فكرة أن العمل في قطاع  البناء خيار مهنى رائع وذو مستقبل واعد. 
  • مساعدة الباحثين عن عمل على اتخاذ قرارات صحيحة بشأن الالتحاق بوظائف في القطاع، والتوعية بما يتعلق بالمسارات الوظيفية وفرص التدريب المتاحة وعمل جولات ميدانية إلى مواقع البناء لاكتساب خبرة واقعية قبل اختيار المهنة.

العمالة القائمة والماهرة:

  •  تحسين مهاراتهم التشغيلية خلال مرحلة الإنتقال من المهارات التقليدية إلى العمل بالتقنيات الرقمية الأكثر إنتاجية، وذلك عبر دورات تدريبية معتمدة ومكثفة تواكب المنتجات المتغيرة والمنهجيات بما يلبي احتياجات المستهلكين.

كيف يتسنى للجهات المعنية بالمملكة تطبيق هذه الحلول على أرض الواقع؟

لابد من بناء هيكل إداري يضم كلاً من قطاع البناء، والتعليم المهني، وقطاع التعليم العالي، والهيئات الصناعية الحكومية وجميع الجهات المعنية بقطاع التشييد والبناء، لنشر الوعي بطبيعة الوظائف المتاحة وتقديم الدعم عبر دورات تدريبية لبناء وتعزيز القدرات والكفاءات بما يحقق النجاح في إنضمام العمالة الناشئة للقطاع وتسهيل عملية التحول لتقنيات البناء الحديثة للعمالة الماهرة. ولن يتحقق ذلك إلا بوضع مناهج تدريبية معتمدة مبنية على دراسات وأبحاث ونتائج لتجارب ناجحة.

وحيث أن قطاع البناء لا يملك سوى خيارين لتحقيق هدف السكن ميسور التكلفة، إما بزيادة عدد القوى العاملة أو إحداث ثورة في الصناعة لزيادة الإنتاجية بعدد أقل، فقد أطلقت الحكومة مبادرة البناء الحديث.

أهداف مبادرة البناء الحديث:

  • تحفيز وتمكين أساليب البناء الحديث في المملكة، من خلال عقد دورات تدريبية وورش عمل لرفع وعي المقاولين وخلق جيل مبدع مبتكر على دراية وإلمام تام بتقنيات البناء الحديث من مواد بناء متقدمة وآلات بناء رقمية.
  • إعداد محاضرات نظرية وزيارات ميدانية لمواقع المشروعات ومصانع تقنيات البناء كتدريب عملي على أرض الواقع. أيضا العمل بتقنية التدريب المعياري في الموقع عبر الإنترنت، فضلا عن خدمة الاستشارات من الخبراء التي تساعد على إكتساب خبرة عملية بأساليب البناء الحديثة.
  • وضع إطار معياري لتصنيف المهارات والكفاءات الفنية وغير الفنية، حيث تسند إلى الكفاءات غير الفنية المهام الإدارية، بينما تتولى الكفاءات الفنية  المهارات المعقدة الخاصة بالقطاع.
  • التوحيد القياسي للمعارف والمهارات والأداء، بما يدعم تنقل القوى العاملة بين الوظائف، بمعنى آخر تمكين الموظفين من الإلمام بمهام أكثر من وظيفة بما يتيح التنقل بين الوظائف بكفاءة تامة وتولي مهام ذات مسؤوليات كبيرة. 
  • إجراء تقييم مستمر للكفاءات، بما يسمح بتحديد الاحتياجات التدريبية وعلاج أي فجوات بالكفاءات وإرشاد الموظفين وأرباب العمل.
  • وضع مناهج أساليب البناء لسد الفجوة بين الكفاءات الحالية، وقد طورت المبادرة بالفعل ثلاثة أنواع من المناهج (إدارية – وظيفية – سلوكية) ويتم اختيار دورات التدريب على هذه المناهج وفقًا لأولويات القطاع، وقد صممت مجموعة من سبعة مناهج واحد إداري وآخر سلوكي وخمسة مناهج وظيفية.
  • تحقيق مزايا لمقدمي أساليب البناء الحديث والمطورين والمقاولين والمنظومة السكنية بوجه عام .

وتتعاون مبادرة تحفيز تقنيات البناء مع المعهد العقاري السعودي لتقديم دورات مختصة بتقنيات البناء الحديث وذلك في إطار برنامج تحفيز التدريب.

للاطلاع على كافة الدورات التدريبية يرجى زيارة بوابة المعهد العقاري السعودي ، وتسجيل الدخول كمستخدم جديد من هنا.

ولمعرفة مواعيد الدورات التدريبية وورش العمل التي تقدمها منصة البناء الحديث يرجي زيارة الموقع الإلكتروني وتسجيل الدخول من هنا.

هكذا تسعى المملكة من خلال مبادراتها المعنية بقطاع التشييد والبناء إلى مواكبة التطور الصناعي وتمكين المواطن من امتلاك مسكن ذو جودة عالية وتكلفة منطقية بما يلبي تطلعاته واحتياجاته وتحقيق أهداف رؤية المملكة ٢٠٣٠.

International Trade & Business graduate

AbdelBadie Turjman
An industry analyst with a keen eye for startups leading the digital transformation in Saudi Arabia and the Middle East Region.

not found
[sc name="newsletter_form"][/sc]