بين طيات المحن تأتي المنح… هكذا كان الحال مع وباء كورونا الذي اجتاح العالم مخلفًا آثارًا كارثية قيدت كافة أوجه الحياة. من هنا انطلقت الحاجة إلى البحث عن طوق نجاة لإيجاد مخرج من الأزمات الاقتصادية التي نتجت عن الإغلاق التام بفعل الجائحة، وهو الأمر الذي دفع الحكومات إلى تسريع وتيرة العمل بتقنيات التحول الرقمي لإعادة هيكلة ثقافة المنظومات والكيانات التي يتمحور نشاطها حول تلبية إحتياجات المواطنين، كما ازداد الوعي بمدى تأثير الذكاء الاصطناعي على تطوير قطاعات الخدمات والاقتصاد بشكل عام.

لنتعرف بداية على مفهوم التحول الرقمي: 

يشير التحول الرقمي إلى مجموعة كاملة من التقنيات التي تستخدمها المؤسسات لتحسين عمليات التشغيل، وإحداث تغييرًا جذريًا في سير العمل وجودة الخدمات المقدمة للعملاء.

أما عن التحول الرقمي بالمملكة فهو لم يحدث بين عشية وضحاها، إذ عكفت لعقدين من الزمان على الاستثمار في بناء بنية تحتية رقمية، جعلتها اليوم في طليعة دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فاحتلت المرتبة الأولى عربيًا والرابعة عشر عالميًا، وتم تصنيفها كواحدة من أفضل عشر دول متقدمة في العالم في البنية التحتية الرقمية، وذلك وفقًا لما نشرته صحيفة البلاد السعودية.

ودعمًا للتحول الرقمي الصناعي في المملكة،  فقد دشنت أرامكو السعودية بالتعاون مع كوجنايت الرائدة عالميًا في مجال   البرمجيات الصناعية برنامج “CNTXT” ، الذي يتيح خدمات التحول الرقمي المعتمد على الحلول السحابية المتقدمة، ويهدف إلى مساعدة شركات القطاع العام والخاص في ضمان مستقبل البنية الأساسية لبياناتها، وزيادة الإيرادات، وتعزيز الاستدامة التشغيلية والأمن السيبراني، مع خفض التكاليف وتقليل المخاطر.

وحيث أن قطاع البناء والتشييد بالمملكة يشكل ركيزة أساسية لدعم الاقتصاد الوطني، فإن عملية التحول الرقمي ستسهم في استقطاب العقول المبدعة من الشباب الخريجين، والكوادر القيمة من ذوي الخبرات والكفاءات العالية، مما يترتب عليه توفر وظائف أكثر جاذبية للمواطن السعودي وبالتالي دعم ورفع نسبة التوطين بما يتفق مع تحقيق إحدى أهداف رؤية المملكة ٢٠٣٠.

التقنيات التي يعتمدها التحول الرقمي ودورها في دعم قطاع البناء:

لطالما دعمت التطورات التكنولوجية تقدم قطاع البناء، وهذا هو الحال مع تقنيات التحول الرقمي التي على وشك إحداث ثورة في الصناعة بأكملها. 

أولا: تقنيات التحول الرقمي المعنية بالجانب الإداري وكيف لها أن تحدث ثورة هائلة في إدارة مشاريع الإنشاء

١. تقنية بلوك تشين Blockchain 

بحسب تقرير نشرته مجلة هارفارد بيزنس ريفيو الإلكترونية، فإن استخدام تقنية بلوك تشين يدعم الشفافية واللامركزية، ويمكن من خلاله تحقيق مايلي:

  •     تسجيل أعداد هائلة من المشاريع وتنفيذها وتأمينها ومشاركة بياناتها مع الأفراد والكيانات ذات الصلة.
  • إتمام المعاملات الورقية والتعاقدات بالمشاريع المعقدة، بصورة تسهم في توفير النفقات وسرعة إنجاز المشاريع.
  •   توفير تسلسل سير العمل بدقة وتحميل الجميع مسؤولية إتمام المهام الرئيسية.
  • تبادل المعلومات في التوقيت المناسب بوضوح تام ودون أية أخطاء.
  • الإحتفاظ بكامل بيانات المشاريع التي كانت تفقد سابقًا بعد تسليمها للمالك، حيث تسمح خاصية الأرشفة لكافة الأطراف المعنية بالوصول إلى تفاصيل المشروع منذ تسليمه إلى المالك الأول وحتى المالك الحالي.
  • سهولة العثور على معلومات منتج ما أو مواصفات معينة بأحد المباني.
  • تأريخ كافة التحسينات والتعديلات والصيانة التي تعرضت لها المشاريع بمرور الزمن.
  • تتبع إنجازات المقاولين من الباطن الموثوق بهم، لإسناد إتمام المشاريع إليهم.
  • العقود الذكية أو عقود بلوك تشين: وهي عقود رقمية تثبت كافة المعاملات وملكية الأصول، وتعطي طابع زمني لكل عملية، يستحيل إختراقها أو الاحتيال بتعديلها، كما أنها توفر عناء الذهاب إلى المصالح الحكومية لاستخراجها، ولا يوجد مجال للخطأ فيما تتضمنه من شروط وأحكام.

٢. تقنية نمذجة معلومات البناء BIM

تعد نمذجة BIM من أساسيات التحول الرقمي، وتعمل عن طريق التوأمة الرقمية، بمعنى إنشاء المشروع افتراضيًا على الحاسوب بتقنية ثلاثية الأبعاد قبل البدء في تنفيذه، وتمثل محاكاة كاملة لدورة حياة المشروع بدءًا من التصميم وصولاً إلى التشغيل الفعلي، مما يساعد على تحديد المشكلات المحتملة التي قد تطرأ على المباني وتلافي حدوثها.

٣. تقنية إنترنت الأشياء IoT

تعتمد على ربط شبكة الإنترنت سلكيًا أو لاسلكيًا بأنظمة التدفئة والتهوية وصيانة المباني، وذلك عن طريق مستشعرات تقيس بدقة أية تغيرات تطرأ على المبنى فور حدوثها، مما يساعد على التنبؤ بالحوادث قبل وقوعها.

وقد ربط العلماء مؤخرا بين تقنيتي BIM وloT  باعتبار كل منهما تكمل الأخرى، حيث تعمل الأولى على محاكاة المشروع بكافة تفاصيله، بينما تكشف الثانية عن نقاط الضعف المحتملة التي قد يواجهها وبالتالي تتخذ التدابير اللازمة للوقاية منها.

ثانيا: تقنيات التحول الرقمي المعنية بالعمل في الموقع وتتمثل في:

١. الطائرات بدون طيار Drones

بدأ العمل بتقنية الطائرات بدون طيار منذ سنوات، وازداد الإقبال عليها أثناء الجائحة التي فرضت إغلاقًا كليًا على القطاعات المختلفة.

 أما عن دورها في صناعة البناء فيكون في:

  •   نمذجة المشاريع المعمارية، وعمل مسح شامل لتضاريس موقع البناء مع رسم خريطة مفصلة له بتقنية ثنائية وثلاثية الأبعاد.
  •  مراقبة مراحل إنشاء المشروع  بدقة عالية.
  • رصد أماكن معدات البناء داخل الموقع.
  • إرسال معلومات ومقاطع حية من الموقع للجهات القائمة على المشروع، مما يسهل ويسرع من عملية اتخاذ القرارات ذات الصلة.                                                                                                                                                

ولتبني هذه التقنية تحديدًا، يلزم الاطلاع على قانونية اقتناء طائرات بدون طيار لأهداف تشغيلية، وذلك بالتواصل مع هيئة الطيران المدني ووزارة الداخلية السعودية، حيث تعد الجهتان المعنيتان بإصدار تصاريح استخدام الدرون في المملكة.

٢. تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد

الطابعة ثلاثية الأبعاد هي آلة يمكنها تحويل الملفات الرقمية إلى أشياء واقعية ملموسة. وفي صناعة التشييد تتولى بناء التصميمات والأشكال المختلفة دون استخدام قوالب لصب الخرسانة كما في الطرق التقليدية.                                                                    

بحسب إحدى الدراسات الحديثة، يتيح الاعتماد على تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد بناء منزل خرساني في غضون ٢٤ ساعة فقط، وذلك في أقسى الظروف المناخية الباردة. وقد تناولت الدراسة تجربة جامعة آيندهوفن للتكنولوجيا بهولندا، التي تمكنت من بناء جسر خرساني مطبوع لراكبي الدراجات،  يبلغ طوله ٢٩ مترا. 

تتميز هذه التقنية مقارنة بأساليب البناء التقليدية بأنها تضع حدًا لإهدار مواد البناء، فضلا عن الجودة العالية الإنشائية، ومراعاتها لمبادئ السلامة والصحة المهنية .

٣. المعدات المستقلة (روبوتات البناء) Robots

تضمن الاستعانة بالروبوتات في مواقع البناء تنفيذ العمليات بشكل أسرع وأكثر دقة وكفاءة، وتتباين المعدات في أحجامها بين الضخمة كالحفارات وشاحنات النقل وبين المركبات الصغيرة المتجولة آليًا (مركبات الاستطلاع).                               وتعمل أدوات التحكم المؤتمتة على الحد من مخاطر العمل وتقليل تكاليف الأيدي العاملة وتعويض نقصها المتزايد، وحتى استبدالها على المدى الطويل.

تحديات التحول الرقمي :

 تلقي الحاجة إلى التحول الرقمي بظلالها على كافة جوانب الحياة بشكل عام. ولكن قد ينطوي إدراجه في صناعة البناء على بعض من التحديات تنحصر في:

  • Careers من أجل تطبيق وتفعيل تقنية التحول الرقمي بشكل سليم، لابد من الإستعانة بعدد ضخم من الكوادر عالية الكفاءة، قادرة على قيادة فريق العمل وتدريبهم والتحقق من إلمامهم التام بكافة العمليات المعقدة التي تقوم عليها التقنيات الرقمية المعنية بقطاع البناء.
  • التكاليف على الرغم من أن تبني التحول الرقمي في القطاع سيوفر كثيرا من التكاليف على المدى الطويل، إلا أنه سيكلف مبالغًا طائلة في البداية، حيث أن هناك فجوة بين التقنيات المتاحة والمهارات الفعلية للأيدي العاملة الماهرة.

وعلى الرغم من تلك التحديات إلا أن صناعة البناء والتشييد  تمضي قدمًا في طريقها نحو التحول الرقمي بالمملكة، التي تسعى إلى تعزيز مكانتها كرائدة في مجال التحول الرقمي، ليس فقط على الصعيد الإقليمي وحسب بل على الصعيد العالمي.

International Trade & Business graduate

AbdelBadie Turjman
An industry analyst with a keen eye for startups leading the digital transformation in Saudi Arabia and the Middle East Region.

not found
[sc name="newsletter_form"][/sc]